فمن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أنه ساوى بينها وبين الرجل في حق التعليم والتثقيف ، وأباح لها أن تحصل على ما تشاء من فروع العلم والحكمة والمعرفة في مراحلها المتعددة ، وقد كان الإسلام حاسما في وجوب تعليم المرأة كل ما يتصل بأمور دينها ودنياها كالعقائد والعبادات ، ومعرفة الحلال والحرام ، وسائر التصرفات .
وقد حث الرسول عليه السلام النساء على طلب العلم فقال :" طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ." ولم يفرق الإسلام بين الحرة والأمة في مجال التعليم .
وقد نافست المرأة الرجل وزاحمته في ميدان العلم والمعرفة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يحكى أن النساء اجتمعن يوما وقلن للرسول عليه السلام :"غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن ."
كما يحكى أن سيدة من بني عدي تدعى (الشفاء) كانت تجيد فن الكتابة في الجاهلية وكانت تعلم الفتيات القراءة والكتابة ، وكانت حفصة بنت عمر بن الخطاب إحدى تلميذاتها التي أخذت عنها القراءة والكتابة قبل زواجها من الرسول عليه السلام ، وقد تابعت حفصة تعليمها على الشفاء بعد زواجها من الرسول ، وكان ذلك بأمر منه صلى الله عليه وسلم .
كانت دور العلم ومعاهد المعرفة مفتحة الأبواب أمام المرأة العربية في فجر الإسلام ، وقد نبغ بفضل ذلك عدد كبير من النساء في علوم القرآن ، والفقه ، والحديث ، كما نبغ منهن عدد غير قليل في مجال الأدب واللغة والشعر.
وفي نهاية عصر فجر الإسلام وما تلاه تبوأت المرأة مكانا اجتماعيا ، سياسيا ، وأدبيا مرموقا ،وشاركت في أمور الدولة وإدارة شؤونها مثل سارة بنت عمر بن عبد العزيز ، كانت محدثة وراوية ، وكانت ذات دين وصلاح وقد أجازها علماء عصرها ، فروت الكثير من الأحاديث ، وأشار السخاوي في كتابه (الضوء اللامع) إلى مبلغ درجتها في العلم والمعرفة حيث قال : " نزل أهل مصر بموتها سنة 855 هـ في الرواية درجة ."
ومن هنا تستطيع المرأة أن تسهم بأوفر نصيب في محاربة الأمية الدينية والثقافية والصحية والاجتماعية في المجتمع بعامة وفي محيط الأسرة بخاصة.
ومن هنا نرى انتشار المدارس لتعليم المرأة في معظم الدول ومساواتها بالرجل في حق التعليم وهذا كله من أجل تثقيف المرأة في أمور دينها ودنياها ، ولأن لها دور كبير فهي تعتبر نصف المجتمع ، وذلك لأنها تقوم بتربية الأبناء ، وصدق الشاعر حيث قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
فهي الأساس في المجتمع ، فبالعلم تسلك المرأة الطريق الصحيح ، ويترجم ذلك في أسلوب حياتها وسلوكها ، مما يكن له الأثر في تكوين الثقافة التي تكون مرتبطة بالشريعة الإسلامية ومؤسسة على العقيدة ، فعندما يكون معيار الثقافة الإسلامية هو المعيار الأمثل والذي هو الشريعة الإسلامية ليدرك المرء أن سلوكه وعمله هو العمل الواعي الذي نتج عن شريعة شاملة لكل شؤون البشر فيما يصلحهم في مجتمعهم.
وأخيرا أود أن أقول أن المرأة هي الأساس في بناء المجتمع فمتى كانت المرأة متعلمة ، مثقفة ، واعية بثقافتها الإسلامية ، مترجمة ذلك في عملها ، أصبح جيلها هو الجيل الواعي ، المدبر ، المفكر ، وهذا الجبل هو الذي ينشي الأمة فيصبح المجتمع مجتمع محبة وأمن وسلام ، يشعر فيه الغني بألم الفقير ، والقوي بحاجة الضعيف ، متمثلا ذلك في قول الرسول (صلى الله عليه وسلم):" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راعٍ مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..."
ونستطيع أن نلخص ذلك في العلاقة الآتية:
المرأة المطبقة للشريعة جيل واعي يترجم
الإسلامية قوله وفعله
مجتمع إسلامي عزيز أمة مثلى مرتبطة بالشريعة
لا يقبل الذل والمهانة الإسلامية ومؤسسة على عقيدتها